لا بقينا إن بقي صنم في سوريانا

هيومن فويس: فواز تللو
تصوروا … أن يدرس أبناء ثورتنا في مدرسة تحمل اسم شبيح قاتلٍ لص وضيع حثالة قتل أباهم ونهب بيوتهم وهجرهم من نفس تلك البلدة، ويدرسون فيها مناهج ويرددون كل صباح شعاراتٍ تصف أبيهم بالخائن وثورتهم بالإرهاب.
هذا كان الحال بعد مجزرة حماة عام 1982 يوم فعلها السفاح الأب وصمت الناس خوفاً، وهذا هو الحال اليوم إن انتصر السفاح عبر حسم عسكري ينفذه أسياده الروس والإيرانيون، او تم تمرير تسوية مع السفاح تقبل بالتشارك معه أو مع زبانيته والمحافظة على مؤسساتهم الأمنية والعسكرية الطائفية والقبول باستمرار السيطرة الطائفية على كل مفاصل الدولة السورية تحت أي مسمى وتبرير، وهو عملياً مضمون ما يطُطرح من تسويةٍ سياسيةٍ اليوم.
إعادة صنم الحثالة المقبور اللص الوضيع ذي الأصل الخسيس بائع الجولان وجزار حماه إلى مدخل حماه في ذكرى المجزرة بعد أن إزالته بداية الثورة رسالةٌ من النظام الطائفي تحمل معنى واحد يمثله كل صنم وكل أثر للنظام الطائفي بكل مظاهره وتفاصيله: إن انتصر النظام الطائفي الأسدي فستكون مجازره بحقكم ومنفذوها من كبيرهم حتى أصغر حثالةٍ منهم رموز يجب على من تبقى منكم تمجيدها لأنها قتلتكم وشردتكم ونهبتكم واغتصبت نسائكم وارتكبت الفظائع بحق معتقليكم وفعلت ما فعلت بكم باعتباركم إرهابيين تستحقون كل ما جرى لكم، وعليكم القبول بالبقاء عبيداً لهؤلاء الطائفيين الذين سيستولون على ما تبقى لكم وسيمارسون بحقكم كل إذلالٍ ممكن وبأي طريقةٍ ومناسبة.
الخوف بعد مجزرة حماة كلفنا كثيراً بعد ثلاثين عاماً فكان الثمن أضعاف أضعاف ما كان يمكن أن يكلف يومها، ربما لم يكن معظم السوريون يومها مدركين لحجم التغول الطائفي وأبعاده ولا لحجم الثمن المضاعف الذي سيدفعونه لاحقاً بصمتهم وخوفهم يومها، لكنهم يدركون ذلك اليوم ويتعلمون الدرس بأغلى ثمنٍ ممكن، لكنه درس لن يمكن الاستفادة منه مستقبلاً إن فشلت الثورة في استئصال النظام الأسدي الطائفي اليوم، فلا ثورةً أخرى ممكنة بعد كل هذا التدمير والتغيير الطائفي ولا النظام سيعطي شيئاً بعد انتصاره بل سيتابع تغوله حتى استئصالنا “طائفياً” بالكامل.
نعم طريق حريتنا مكلفٌ جدا في حاضرنا لكن لا خيار دون متابعته حتى النهاية ودفع كلفته مهما ارتفعت، لأن الخيار الثاني يعني خسارة الحاضر والمستقبل أيضاً، وهو الخيار الذي يعرضونه الآن وفق الحل السياسي الذي يروجون له ويتباكى عليه البعض اليوم، فهو “استسلام” لا “سلام” مهما موهوه بوعود مضحكة لمن يفقه ويعقل، لكنهم يسعون لتمريره ببيع الأوهام واستغلال تعب الناس ومعاناتهم وتضحياتهم، لا لتستحق هذه التضحيات ثمنها بل ليتاجروا بها تحت قول حق يراد به باطل “وقف نزيف الدماء السوري” الذي يتم اليوم تماما وفق معادلة “الأسد او نحرق البلد”.
بالمناسبة … لماذا نستسلم؟ من قال أن النصر لا ينتظرنا وأننا لن نتجاوز المصاعب الحالية كما تجاوزنا كثيراً غيرها، هو وهمٌ يمررونه بأن النظام قد انتصر لكنها أكبر كذبة أطلقها منذ وُجد وهو المشهور بأنه نظام التقية والكذب، كذبةٌ فاقت بوقاحتها كذبة الممانعة والمقاومة لعميل باع الجولان، كذبة يعاونه فيه المجتمع الدولي المتآمر للحفاظ على أكبر نظام عميل طائفي استطاع زرعه في سوريا والمنطقة عبر التاريخ، عسى أن يحصلوا بخداعنا عبر هكذا كذبة على ما عجزوا عن الحصول عليه بقتلنا مصورين تراجعاً أو هناك على أنه النهاية.
انظروا كيف كنا قبل اندلاع الثورة لا سلطة لنا على بيتنا وكيف هو النظام اليوم مع كل العون العالمي، وكيف كانت دورية حثالة مخابرات تغلق مدينة وانظروا أين النظام الفأر اليوم بكل زبانيته حثلالات الأرض مع ان العالم يساعدهم، نعم نخسر معركةً هنا أو هناك، ونعم الطريق صعب لكن النصر مضمون في نهايته بإذن الله رغم كل التكالب الذي ترونه ورغم كل أخطائنا التي نتعلم منها، ومهما بلغت كلفة الاستمرار حتى النهاية والتي ستبقى أقل بكثير من كلفة التوقف لأن ذلك لا يعني فقط خسارة كل التضحيات السابقة بل أيضاً خسارة المستقبل، وكما قلنا، لن يكون من فرصةٍ للاستفادة بعد من الدرس كما حصل بعد مجزرة حماة، فالمعادلة اليوم باتت واضحة وقد ضعها أمامنا النظام الأسدي الطائفي ومؤيديه بكل وضوح حين اختار “الحل الصفري” المتمثل بـ “كل شيء أو لا شيء” متوهماً أنه سيربح بالضربة القاضية العسكرية كما ربح في حماة سابقاً.
يُدرك كل عاقل اليوم أن لا عودة للمهجرين ولا خروج للمعتقلين ولا عدالة من القتلة ولا استرجاع لأي حقوق مادية منهوبة من أرض وبيت ومال ولا حفاظ على هوية سوريا الحرة ووحدتها، يدرُك العاقل اليوم أن أياً من ذلك لا يمكن أن يتم إلا بتبني نفس خيار النظام الطائفي بدل دفن الرؤوس في الرمال، أي الضربة القاضية العسكرية لسحق واستئصال النظام بكل عناصره وأدواته وتفاصيله من سوريا الدولة والتاريخ والجغرافيا والحضارة مهما طال الزمن وزاد الثمن، تماماً كما يخطط لنا، فلنعمل لتحقيق أسباب النصر إذا من وحدة وقيادة حقيقيةٍ وفق رؤيةٍ واستراتيجيات واضحةٍ واستبعادٍ للأدوات والمشاريع العدمية المتطرفة وكل من أساء للثورة من طابور خامس وفاشلين.
تقرير منظمة العفو الدولية كصور القيصر وككل مجزرة من مئات مجازر النظام الأسدي الطائفي، وأخيراً عودة الصنم السفاح إلى مدخل حماة؛ ليس لكي نعرف ما يجري بل كي لا ننساه، ليس لكي نحدد المجرم وأعوانه بل لكي لا ننسى أنهم أعداء، ليس لنيأس ونصالح بتسويةٍ وحل سياسي استسلامي بل لنغضب ونتابع حتى النهاية مهما تطلب الأمر كلٌ من موقعه حتى استئصاله عسكرياً، عندها فقط نحقق العدالة ونطلق أسماء شهدائنا ومعتقلينا على مدارسنا، وعندها يعود شهداء مجزرة حماة عام 1982 أبطالاً لا خونة يشتمهم أبناؤهم في طابور المدرسة الصباحي وكمصير مليون شهيد اليوم؛ مجرد أرقامٍ وخونة كما يصفهم الجلاد الذي سيسمي مدارسنا بأسماء القتلة إن انتصر، فالمهجرين والشهداء والمعذبين والمعتقلين والمغتصبات بحاجةٍ لوعيكم وغضبكم وإصراركم وصبركم حتى النصر، لا لدموعكم ويأسكم، فأي سوريا ستبقى لنا إن بقي صنم حماة أو أي صنم أو رمز للنظام بأي شكل تجلى!!! فلا بقينا إن بقي صنم في سوريانا.
جميع الآراء تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي هيومن فويس