سياسة

منظمة دولية: الأسد نفذ هجمات كيميائية على حلب

هيومن فويس

قالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات وقعت في مناطق خططت القوات الحكومية للتقدم فيها، بدءا من الشرق وسيرا نحو الغرب، وفق تغيّر خطوط المواجهة.

قال أولي سولفانغ، نائب مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: “نمط هجمات الكلور يظهر أنها كانت منسقة وفي إطار استراتيجية عسكرية شاملة لاستعادة حلب، وليست مجرّد أعمال ارتكبتها بعض العناصر المارقة. على مجلس الأمن ألا يسمح للسلطات السورية أو أي طرف آخر استخدم الأسلحة الكيميائية أن يُفلت من تبعات أفعاله”.

لم يتخذ مجلس الأمن أي إجراءات منذ أن حددت آلية التحقيق التي عينتها الأمم المتحدة، المعروفة باسم “آلية التحقيق المشتركة”، وحدات عسكرية مسؤولة عن هجمات سابقة باستخدام الكلور في سوريا. قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن فرض عقوبات على القادة الكبار في سلسلة القيادة.

دعت هيومن رايتس ووتش الحكومة السورية إلى الكف فورا عن استخدام المواد الكيميائية كأسلحة، والتعاون بشكل كامل مع آلية التحقيق الأممية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول الـ 192 الأطراف في “اتفاقية الأسلحة الكيميائية” أن تتخذ خطوات لمعالجة انتهاك سوريا المستمر لأحكام الحظر الأساسية في المعاهدة، وضمان امتثالها لتعزيز القاعدة الدولية ضد الحرب الكيميائية.

ألقت مروحيات الحكومة السورية الكلور على مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة على الأقل منذ أبريل/نيسان 2014. يستخدم الكلور في عديد المجالات المدنية، لكن اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1993، التي انضمت إليها سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2013، تحظر استخدام الخصائص السامة لأي مادة كيميائية كسلاح. وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا استخدام القوات الحكومية السورية غاز سارين في هجمات في أغسطس/آب 2013، واستخدام تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”) غاز الخردل حتى أغسطس/آب 2016.

وقعت أحدث هجمات بالكلور خلال الهجوم النهائي لقوات الحكومة السورية وحلفائها لانتزاع السيطرة على شرق حلب من جماعات المعارضة المسلحة. بعد فترة من الهدوء النسبي، جددت قوات الحكومة السورية وحلفائها العمليات العسكرية في حلب يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني، بدءا بقصف جوي مكثف. استمرت المعركة حتى 13 ديسمبر/كانون الأول عندما اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار، وتم إجلاء العديد من المقاتلين والمدنيين من شرق حلب.

قالت هيومن رايتس ووتش إن العدد الفعلي للهجمات الكيميائية على حلب بين 17 نوفمبر/تشرين الثاني و13 ديسمبر/كانون الأول قد يكون أعلى من الـهجمات الثماني الموثقة في هذا التقرير. ذكر صحفيون ومسعفون وموظفون طبيون وآخرون على وسائل التواصل الاجتماعي حصول ما لا يقل عن 12 هجمة في تلك الفترة. ضمت هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير فقط الهجمات التي تأكدت منها من خلال متابعة التقارير الحية على وسائل التواصل الاجتماعي ومقابلات مع شاهد واحد على الأقل.

التأكد من المادة الكيميائية المستخدمة في الهجمات دون فحص مختبري أمر صعب، لكن الرائحة والعلامات والأعراض التي ذكرها الضحايا والطاقم الطبي تشير إلى أن القوات الحكومية استخدمت الكلور. ذكر سكان محليون كانوا بالقرب من الموقع المستهدف والطاقم الطبي أن رائحة الكلور القوية، مشابهة لتلك التي تصدر عن مواد التطهير المنزلي.

قال مسعف كان حاضرا في عدة هجمات: “تعرّض المصابون لمشاكل في التنفس، وكانوا يسعلون بشدّة، ويعانون من الغثيان، وبعضهم أغمي عليهم، وبعضهم الآخر خرجت رغوة من أفواههم. تؤثر المواد الكيميائية على الأطفال بشكل أكبر… يستنشقون هذه الروائح ويختنقون في نهاية المطاف”.

وصف أحد السكان المحليين الرائحة التي استنشقها، وقال إنها أقوى من مواد التطهير:

كانت الرائحة أقوى من الاحتمال. بمجرد أن يستنشقها الفرد، يشعر بحرارة في الحلق، وكأن بداخله قضيب حديدي، حتى يعجز عن الابتلاع والتنفس، ويشعر برقبته تغلي، ويأخذه الغثيان. يشعر أيضا بحرارة في العينين، ويفقد السيطرة عن دموعه، وفي الأخير يفقد القدرة على التنفس. الأمر مختلف عن مجرد انسداد الأنف والفم، كلّ الجسم يرفض دخول الهواء إليه.

التعرّض لمستويات مرتفعة من الكلور قد يؤدي إلى الاختناق لأن الإصابات الكيميائية الناجمة عن تحلل الكلور في الأغشية المخاطية داخل الرئتين يتسبب في تراكم شديد للسوائل فيهما. الأطفال والمسنّون أكثر عرضة لتأثيرات غاز الكلور.

قال شهود عيان أيضا إنهم لاحظوا دخانا أصفرا أو أصفر يميل إلى الاخضرار قرب مواقع استُهدفت بأربع هجمات على الأقل. صور صحفيون الدخان الذي خلفته هجمتين على شريط فيديو. لون الكلور في شكله الغازي أصفر يميل إلى الاخضرار.

بما أن الكلور أثقل من الهواء، فهوى يسري نحو الأسفل، ما يجعل الطوابق السفلية، حيث لجأ الناس هربا من الهجمات بأسلحة متفجرة، ضحايا محتملين لفخ قاتل. قال صحفي قرر ترك الحي الذي يقطنه بعد هجوم بالكلور: “اعتدنا على القصف والتفجير. لكن مع الكلور، لا توجد وسيلة لحماية نفسك. ستختنق”.

راجعت هيومن رايتس ووتش صورا أو مقاطع فيديو لبقايا ذخائر مرتجلة مليئة بالمواد الكيميائية في 5 هجمات كيميائية نشرت على الإنترنت أو تمت مشاركتها مباشرة مع هيومن رايتس ووتش. في بعض الأحيان، وصف شهود عيان الذخائر ببراميل أو قنابل. في الحوادث الخمسة، تظهر مقاطع الفيديو نفس نوع أسطوانة الغاز الصفراء. يظهر على لاصقة واضحة على بقايا هجوم تحذيرا بأن الاسطوانة تحتوي على غاز.

ذكرت جماعات تابعة للمعارضة ومسعفون وناشطون وصحفيون أن القوات الحكومية شنت هجمات كيميائية أيضا على مواقع أخرى في سوريا خلال نفس الفترة.

بينما لا يوجد دليل على أن روسيا، الطرف الوحيد الآخر الذي نفذ غارات جوية على شرق حلب خلال هذه الفترة، متورطة في الهجمات الكيميائية بشكل مباشر، فإن الطائرات الروسية لعبت دورا حاسما في الهجوم العسكري ضد مقاتلي المعارضة في شرق حلب. وكحليف عسكري لدمشق، فقد استفادت من استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل القوات السورية.

إضافة إلى ذلك، وجدت آلية التحقيق المشتركة التي عينتها الأمم المتحدة أن المروحيات التي سبق أن ألقت الكلور كانت تنطلق من قاعدة حميميم الجوية، التي تقع تحت السيطرة الروسية. قالت هيومن رايتس ووتش إن بالنظر لهذه التقارير وغيرها حول الاستخدام المتكرر للكلور كسلاح في الماضي، فإن على السلطات العسكرية الروسية اتخاذ خطوات للتأكد من أن هذه الأسلحة لم تستخدم في هجوم عسكري مشترك.

أدان مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك روسيا، استخدام أي مواد كيميائية سامة مثل الكلور كسلاح في سوريا، وشدد على محاسبة الذين يستخدمون هذه الأسلحة. في 7 أغسطس/آب 2015، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2235 الذي أنشأ آلية التحقيق التي “تتولى إلى أقصى حد ممكن تحديد الأشخاص أو الكيانات أو الجماعات أو الحكومات التي قامت باستخدام المواد الكيميائية”. قالت روسيا في ذلك الوقت إن التحقيق سيسد الفجوة في تحديد المسؤولين عن استخدام الكلور كسلاح في سوريا. أكدت الولايات المتحدة أن “ذكر المتورطين بالأسماء أمر مهم”.

في 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإنشاء آلية للمساعدة في التحقيق في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في سوريا منذ عام 2011. طلبت الجمعية العامة من منظومة الأمم المتحدة ككل أن تتعاون تعاونا كاملا، وتستجيب فورا لأي طلب للحصول على معلومات.

من المقرر استئناف محادثات السلام بين الأطراف السورية المتحاربة في جنيف في 20 فبراير/شباط.

قال سولفانغ: “يؤكد التاريخ أن أي اتفاقات سلام دون محاسبة على انتهاكات الماضي تكون في الغالب هشة. المحاسبة على الهجمات الكيميائية في سوريا يُمكن أن تكون نقطة انطلاق جيدة”.

تحظر اتفاقية الأسلحة الكيميائية استخدام الخصائص السامة للمواد الكيميائية الشائعة، مثل الكلور، للقتل أو الإصابة بجروح. ومن بين عدّة التزامات أخرى، يجب أن توافق كل دولة عضو على أن تمتنع عن “مساعدة أو تشجيع أو حث أي كان بأي طريقة على القيام بأنشطة محظورة على الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية”. تحظر قوانين الحرب التي تنطبق على سوريا استخدام الأسلحة الكيميائية. استخدام أسلحة محرمة بقصد جنائي، عمدا أو بلا مبالاة، يعتبر جريمة حرب. اتفاقية الأسلحة الكيميائية، بأعضائها الـ 192، هي واحدة من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالأسلحة. فقط 4 دول من أعضاء الأمم المتحدة ليست طرفا في الاتفاقية، هي مصر وإسرائيل – التي وقعت على الاتفاقية ولم تصدق عليها – وكوريا الشمالية وجنوب السودان.

قال سولفانغ: “العالم بأكمله تقريبا وافق على أن الحرب الكيميائية عمل مشين يجب حظره تماما. السماح للحكومة السورية بالتباهي بتجاوز هذا الحظر، دون عقاب، ينطوي على خطر التغاضي الضمني عن الهجمات الكيميائية السورية، ويقوّض حظر الأسلحة الأكثر إجماعا في العالم، وربما يسهل على بلدان أخرى القيام بنفس الشيء”.

هجمات الكلور في سوريا

نشرت هيومن رايتس ووتش تقارير عن استخدام الحكومة السورية للكلور في مايو/أيار 2014، وأبريل/نيسان 2015، ويونيو/حزيران 2015، وسبتمبر/أيلول 2016.

خلصت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة و”منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، في تقرير نشر في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلى أن قوات الحكومة السورية استخدمت الكلور كسلاح في 3 حوادث بين 2014 و2016. وأكد التحقيق أن مروحيات من “اللواء 63 حوامات” في سوريا، الذي يعمل انطلاقا من قواعد حماة وحميميم الجوية، نفذ الهجمات. وجد التحقيق أيضا أن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤول عن استخدام خردل الكبريت، وهو نوع من العوامل المنفطة.

الهجمات الكيميائية على حلب في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول

قابلت هيومن رايتس ووتش بشكل مباشر أو عبر الهاتف 22 شخصا لهم معرفة مباشرة بهجمات كيميائية في شرق حلب بين 17 نوفمبر/تشرين الثاني و13 ديسمبر/كانون الأول 2016. كان الشهود مسعفين أو موظفين طبيين أشخاصا يعيشون في الأحياء المتضررة. قارنت هيومن رايتس ووتش روايات هؤلاء الشهود مع صور ومقاطع فيديو ومعلومات حية نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. كما ساعدت عدة منظمات، مثل “الدفاع المدني السوري” و”المعهد السوري للعدالة” و”الجمعية الطبية الأمريكية السورية” في تحديد الشهود الرئيسيين. قامت مجموعة التحقيق مفتوحة المصدر “بيلينغكات” Bellingcatفي البداية بجمع وتحليل العديد من أشرطة الفيديو وصور للهجمات الكيميائية، وبعدها مباشرة.

القصف المكثف في نهاية معركة استرجاع حلب جعل التوثيق المستفيض لهذه الهجمات صعبا. واجه بعض الشهود صعوبات في تذكر التواريخ والتمييز بين الهجمات المختلفة. قال مسعفون وموظفون طبيون لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الحكومة السورية صادرت الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي تحمل معلومات أساسية أثناء عملية الإخلاء، وأنه كان على طاقم المستشفى ترك السجلات وراءهم أثناء إخلاء المستشفيات. الجدول أدناه هو ملخص للمعلومات المتاحة حاليا. الدليل على كل هجوم وتحليله مقدم في الأجزاء اللاحقة من هذا التقرير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *