ميديا

ما هو الشيء الذي فشلت سامسونغ اقتباسه من آبل؟

هيومن فويس

سوف يبقى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016 من الأشهر الخالدة في تاريخ شركة سامسونج نتيجة للخسائر الكبيرة التي تكبّدتها جراء الإعلان عن إيقاف جهاز Note 7 بعد شهرين فقط من إطلاقه رسميًا في الأسواق. هذه الخسائر قُدّرت بقيمة تتراوح ما بين 5 إلى 10 مليار دولار أمريكي، وهذا كُلّه بسبب استعجال غير مُبرر [1].

اندفعت سامسونج مُستغلّة خلو الأسواق للانفراد قليلًا قبل صدور هواتف iPhone من شركة آبل، وهواتف Pixel من شركة جوجل، لكن هذه الخطّة لم تنجح للأسف ونتج عنها أجهزة تنفجر تم سحبها من الأسواق للمرّة الأولى أملًا في معالجة هذه المشكلة، لكن وبعد إعادتها انفجرت من جديد وكأن شيئًا لم يكن.

الغريب في الموضوع ليس الانفجار بحد ذاته بقدر ما هو فشل مُهندسي الشركة في تحليل السبب الحقيقي وراء الانفجار بعد سحب الأجهزة لأول مرّة من الأسواق، خصوصًا أنهم مُهندسون برعوا لفترة من الزمن في اقتباس الكثير من الأفكار للخروج بأجهزة مُميّزة عندما كانوا يحبوا خطواتهم الأولى في مجال الهواتف الذكية، ولاسيما من شركة آبل.

ولكيلا يبدو الكلام السابق قاسيًا يجب العودة إلى التاريخ الطويل بين شركتي آبل وسامسونج، فالحرب القضائية بدأت منذ عام 2010 تقريبًا [3]، لكن خلفها علاقة قديمة جدًا ووطيدة، كيف لا وسامسونج هي المزوّد الرسمي للذواكر العشوائية وبطاقات التخزين في هواتف آيفون iPhone، وحواسب آيباد iPad اللوحية، وبعض حواسب Mac أيضًا. وهذا التعاون ليس مُجرّد صفحة مطوية، بل ما يزال ساري المفعول حتى هذه اللحظة على الرغم من المعارك القضائية بين الشركتين [4].

[easy-tweet tweet=”حاولت آبل في أغسطس/آب 2010 الحديث بشكل ودّي مع سامسونج نظرًا للعلاقة التي تجمعهما”]، لكن وللأسف سامسونج لم تستجب أبدًا واستمرّت في نسخ بعض الميّزات الموجودة في نظام iOS مثل التمرير لفك القفل Slide to Unlock والتي حصلت آبل فيها على حكم لصالحها في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016 وكسبت بذلك على 120 مليون دولار من شركة سامسونج

طبعًا هذه ليست القضية الوحيدة، فهناك الكثير من القضايا التي تفرّعت من أول قضية رفعتها آبل على سامسونج في أكتوبر 2010 مُدعية فيها أن الشركة الكورية الجنوبية نسخت تصميم الواجهات في نظام iOS، مع تقليد التصميم الخارجي لهواتف آيفون وحواسب آيباد اللوحية في أجهزة جالاكسي إس Galaxy S وحواسب جالاكسي تاب Galaxy Tab. وعلى هذا المنوال يمكننا القياس، فتارة تحكم المحكمة لصالح آبل. وتارة أُخرى، يُقبل طعن سامسونج على الحكم وتعاد جلسات الاستماع من جديد [6].

لكن بشكل أو بآخر اقتبست سامسونج من آبل جزءًا يسيرًا من الواجهات في نظام iOS وبعض تأثيراته الحركية، وهذا الكلام استنادًا على دعاوي قضائية كسبتها آبل ودفعت سامسونج إلى تغيير بعض الأمور والتخلي عن بعضها الآخر للاستمرار في بيع الأجهزة، وإلا سيطالها الحظر مثلما حصل في الكثير من المرّات.

وهُنا نأتي للسؤال الأهم من وجهة نظري الشخصية، بعد سنوات من الاقتباس من هنا وهناك من شركة آبل، لماذا لم تقتبس سامسونج أو تعمل على فهم وتحليل آلية عمل شركة آبل لتفادي كارثة جهاز Note 7 الذي لم يُعرف حتى الآن السبب الحقيقي وراء انفجاره؟

عندما قدّم ستيف جوبز هواتف آيفون للمرّة الأولى بسعر 600 دولار تقريبًا، خرج ستيف بالمر Steve Ballmer الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت آنذاك ضاحكًا ومستهزئا بجهاز لا يمكن من خلاله الاتصال بالإنترنت عبر شبكات الجيل الثاني، أو حتى تصوير مقاطع الفيديو، ولا يوفّر كذلك لوحة مفاتيح خارجية للكتابة باستخدامها ويعتمد على لوحة مفاتيح تعمل باللمس داخل الشاشة فقط، مع قصور في التعامل مع التطبيقات الخارجية، إضافة إلى صعوبات في نقل الملفات من وإلى الجهاز [8].

للوهلة الأولى قد تبدو ادعاءات بالمر صحيحة، لكن المُتمرّس في العالم التقني والذي يعمل على تحليل الأشياء بواقعها الحقيقي يُدرك أن ما تقوم به آبل ليس بجديد عليها أبدًا، فهي تسير خطوة بخطوة حتى تصل إلى هدفها النهائي.

عندما قدّمت آبل هواتف آيفون لأول مرّة كانت هواتف فارغة لا توفّر الكثير من الخصائص، لكن ومع مرور الوقت بدأت الميّزات شيئًا فشيئًا بالظهور. ولو اطّلعنا على التحديثات السنوية لنظام iOS لوجدنا أن آبل توفّر في كل عام انسيابية أكبر داخل النظام، ليس فقط بسبب احتياجات السوق، بل لأنها تسير بهذا الاتجاه منذ زمن طويل.

لا تُقدّم آبل خدمة كاملة ومتكاملة قبل أن تتأكد من أن كل جزئية فيها تعمل بالشكل الأمثل مع حماية بيانات وخصوصية المستخدمين، فالمساعد الرقمي سيري على سبيل المثال ظهر للمرّة الأولى عام 2011، لكن آبل لم توفر للمطوريين إمكانية دمجه في تطبيقاتهم حتى عام 2016، هذا الأمر ينطبق على توفيره أيضًا في نظام macOS على حواسب آبل. صحيح أن عوامل كثيرة تقف خلف هذا التأخير، لكن رغبة آبل في ضمان عمل كل شيء بشكل سليم هي الدافع الأساسي لتأخير صدور ميّزات تبدو بديهية وطبيعية في أنظمة تشغيل ثانية.

أي واختصارًا لما ورد أعلاه، لو قررت آبل كتابة تقرير على سبيل المثال، فهي تفتح مستند جديد وتكتب العناوين العريضة أولًا، ثم تحفظ العمل وتخرج تمامًا. وتعود من جديد لكتابة الفقرة تحت العنوان الأول، وتحفظ وتخرج. وتعود من جديد وتُكرر العملية حتى انتهاء التقرير بشكل كامل.

 

شركة سامسونج تمشي تمامًا عكس تيار آبل أولًا، وجوجل ثانيًا. فهي تقوم بتطوير ودمج تقنيات داخل أجهزتها حتى لو لم تكن جاهزة تمامًا، أو حتى لو لم تكن متأكدة من عملها بالشكل الأمثل. فمثلًا، سامسونج أضافت دعم لمستشعر البصمة داخل أجهزتها منذ عام 2014، لكن نظام أندرويد -الذي تستخدمه سامسونج- لم يدعم هذه المُستشعرات حتى الإصدار السادس الذي رأى النور مع نهاية 2015، أي أن سامسونج طوّرت مكتباتها الخاصّة قبل عام ونصف تقريبًا من تطوير جوجل لها.

 بكل تأكيد ما قامت به سامسونج حق مشروع جدًا، فنظام أندرويد مفتوح المصدر ويُمكن لأي شركة تطويره بالشكل الذي تراه مناسب. لكن جوجل لم تتأخّر في دعم مستشعرات البصمة دون وجود أسباب تتعلق بقابلية الاستخدام أولًا، وحماية بيانات المستخدم ثانيًا، فبصمة الإصبع هي مفتاح خطير لهوية أي مستخدم يمكن أن تُهدد خصوصيته إذا تسرّبت للعموم، وهو ما كان قاب قوسين أو أدنى بعد تمكن بعض المخترقين من اختراق أنظمة سامسونج وHTC الخاصّة بقراءة ومعالجة البصمة.

وبالعودة إلى جهاز Note 7 -الذي اعتبره من وجهة نظري الشخصية واحدًا من أفضل الأجهزة من ناحية المواصفات- نجد أن الشركة أثقلت كاهله بالكثير من الميّزات مثل مستشعر لقراءة قزحية العين، ومستشعر لقراءة بصمة الإصبع، ومستشعر آخر لقراءة نبضات القلب، دون نسيان خاصيّة الشحن السريع والشحن اللاسلكي.

لماذا لا تحتوي هواتف بيكسل Pixel من جوجل على خاصيّة الشحن اللاسلكي على سبيل المثال لا الحصر؟ وهنا اخترت بيكسل لأنه يعمل بنظام أندرويد، ولكي لا يعتقد البعض أن المقارنة فقط ما بين سامسونج وآبل. هل شركة جوجل مُفلسة أو غير قادرة على تطوير تقنيات مثل الموجودة في Note 7؟ أم هناك أسباب أُخرى دفعتها للتنازل عنها؟

ما يُميّز الشركات الناجحة هو التأني والتأني جدًا في مراحل المنافسة المُتقدّمة، فالخطأ ممنوع وأي ميّزة غير مضمونة الأفضل أن يتم التخلّي عنها أفضل بكثير من أن تجلب العار مثلما حصل مع سامسونج.

سامسونج قدّمت هاتفًا بمواصفات عالية جدًا، ومستشعرات لا حصر لها، لكن هل فعلًا يحتاج المستخدم لمستشعر لقراءة قزحية العين لتأكيد هوّيته؟ أو هل هذه المستشعرات تعمل بكفاءة عالية تسمح بالاعتماد عليها؟ أم ما زالت قيد التطوير حتى هذه اللحظة؟

وللأسف سارت سامسونج في اتجاه استعراض العضلات وحشو الجهاز بقصص وحكايات لا تأتي لمعالجة مشكلة نعاني منها كمستخدمين أساسًا، وهنا الحديث عن مستشعر القزحية، أو حتى الشحن اللاسلكي الذي يتطلب من المستخدم وضع الجهاز على سطح خاص، أي أنه ومن جديد لا يمكن استخدام الجهاز أثناء شحنه دون الالتصاق بمصدر الشحن!

أما جوجل في هاتفها الرسمي الأول -Pixel وPixel XL- فهي تأنّت وفكّرت بتطوير التقنيات اللازمة التي لن تُسبب صداعًا للمستخدمين أملًا في توفير تجربة استخدام مُميّزة، فقول كلمة “لا” للكثير من الأمور أمر هام جدًا، في وقت وقعت فيه سامسونج ضحية الإغراءات لتخرج بشكل مؤقت من سباق الأجهزة الذكية على أن تعود في ربيع عام 2017 لكسب ثقة المستخدمين من جديد، وهي قادرة بالتأكيد على ذلك.

الفشل جزء من النجاح بكل تأكيد، ولا اقتنع بوجود منتج كامل يخلوا من المشاكل والعيوب. لكن سامسونج راقبت شركة آبل وغيرها من الشركات لفترة طويلة من الزمن، ونسخت من هنا وهناك، واقتبست، وأبدعت أيضًا، لكنها وللأسف لم تقتبس أهم شيء من آبل وهو العمل بالمثل القائل “واثق الخطوة يمشي ملكًا”، حتى وإن كان ذلك الوثوق مُزيّفًا، لكنه أبقى آبل في بر الأمان حتى هذه اللحظة ولم يوقعها بأخطاء كارثية مثل التي حصلت جراء اندفاع الشركة الكورية.

المصدر: وكالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *