الأمراض المزمنة بين خرافات الطب البديل ومعجزات الأعشاب

هيومن فويس: يمنى الدمشقي
ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للطب البديل، ولعل هذه الظاهرة ليست جديدة بقدر ما هي متوسعة، وما جعلها ظاهرة تستحق التوقف عندها هو التقدم العلمي الذي واكبه الإنسان سواء في مجال التكنولوجيا أو المجال الطبي، لكن هذا التقدم رافقه انحسار في دور الأدوية الطبية الكيميائية والتفات واضح إلى الطب الشعبي دون العودة إلى مرجع طبي.
الإقبال الغير مدروس على الأعشاب وخلط المكونات مع بعضها أدى إلى حدوث مضاعفات قد تكون أحياناً خطيرة، ولا يمكننا هنا إنكار أهمية وفوائد هذه الأعشاب والنباتات إلا أن الحديث عنها بشكل فضفاض وجعلها العلاج الوحيد الشافي للكثير من الأمراض هو عين الخطأ.
أبرز تلك الإشاعات التي انتشرت هو الحديث عن ثمرة “القشطة”، التي ذاع صيتها مؤخراً عن أنها تشفي من مرض السرطان أو شراب الزنجبيل الذي يقي من تصلب الشرايين أو حبة البركة التي تعالج الزهايمر أو التوت الأحمر الذي يعالج ضغط الدم أو الثوم الذي قد يساهم في إنقاص وزنك كيلو غرام يومياً، أو خلط الرمان مع البقدونس ثم تناول ورق الزيتون لعلاج الشيخوخة وغيرها من الأعشاب التي ذاع صيتها مؤخراً، ولا يمكن حقيقة إغفال دور أي منها في الحد من امتداد المرض أو التخفيف من أعراضه إلا أن هذه العشوائية في الحديث عنها وإغفال دور الأبحاث العلمية وضع الناس في مأزق في التعاطي معها.
في هذا الإطار تقول الدكتورة علياء كيوان، وهي باحثة علمية في البيولوجيا السرطانية في ألمانيا لـ “هيومن فويس”: في أبحاثنا نجري دراسات على عشبة ما قد تكون بروكلي أو زعتر أو توت أو غيرها، وتكون هذه الدراسات خارج الجسم وموضوعة في حواضن خاصة، ونستخلص من هذه العشبة المادة الفعالة فيها للقضاء على مرض ما.
ثم نتعامل مع المادة السرطانية من خلال هذه المادة، فنرى أن هذه المادة إذا ما أخذت بنسبة معينة قد توقف انتشار المادة السرطانية، أو تعيق مكيانيكية الاستقلاب أو تبطل انقسامها، كمادة “السلفورافان” مثلاً الموجودة في البروكلي فهي تصغر من حجم الخلية السرطانية، بحسب ما قالت: د.كيوان، في اتصالنا الخاص معها.
وأضافت، وتم تجريبها على الأورام المزروعة داخل الفئران، فرأوا أنو هذه المادة تصغر من حجم الورم السرطاني لكنها وحدها غير قادرة على قتلها بل يجب أن تكون متراكبة مع العلاج الكيماوي، مردفةً، نحن لا نغفل دور هذه الأعشاب فهي فعلاً قد تكون واقية مثل الشاي الأخضر أو حبة البركة أو العسل قد تكون مضادة للأكسدة، وفيها مادة مفيدة للخلايا الطبيعية قبل أن تتحول إلى سرطانية.
لكن إذا دخل السرطان الجسم فسيصعب على الجسم الاستجابة للعلاج لأنه سيواجه معقوات عديدة منها داخلية متمثلة بالورم الذي فيه ونفسية متعلقة بالمريض، وقد تفيد أيضاً في المرحلة الأولى من السرطان قبل انتشاره فهي قد تساعد المريض في إعطائه القوة لتحمل العلاج الكيماوي، أما إن كان المرض قد وصل إلى المرحلة الثانية أو الثالثة فمن المستحيل أن تعالجه.
وقالت الدكتورة كيوان، لعل الدعايات التي ساهم الكثيرون في خلقها، هي أشد ما جعل الناس منصرفين إلى تصديق هذه الإشاعات، فبعض الأبحاث انتشرت أن هذه الأعشاب قد تساعد لكنها تحذف كلمات وفق ما يناسب هواها، وأبرز ما يتم تداوله عن السرطان والسكري، وعلى الرغم من أن السكري هو من أعقد الأمراض المنتشرة إلا أن البعض يساهم في الترويج لخلطات ودفع أموال طائلة مستغلين بذلك سذاجة الكثيرين، على حد وصفها.
وتابعت الطبيبة، هناك فعلاً بعض الأمراض التي تعالجها هذه الأعشاب أو الخلطات لكنها أمراض بسيطة غير معقدة، كالأنفلونزا مثلاً، أما عن خلطات الريجيم التي نسمعها فلا أملك حقيقة معلومات دقيقة حولها، لكن مثلاً يمكن القول أن الليمون والزنجبيل مطهر للأمعاء والكمون طارد للغازات ومفيد لتقليل الشهية، وربما تساهم مجتمعة في المساعدة في تسريع عملية الاستقلاب في الجسم، لكن إذا ما تم أخذها مع نظام غذائي.
واتهمت الدكتورة علياء، “الإعلام” بالترويج لهذه الأكاذيب، ودعته إلى تحمل مسؤوليته في رفع مستوى الوعي لدى الناس لا الترويج لأكذايب وشائعات، وحول السبب الذي دعى الناس للانصراف إلى طب الأعشاب ختمت الدكتورة علياء حديثها قائلة:
“الناس فقدت الثقة بالأطباء لأن الكثير من العيادات اتخذت من هذه المهنة تجارة، فبعض المرضى لا يحتاجون دواء لتشخيص مرضهم، إلا أن تعاون الطبيب مع شركة دوائية يدعوه ليصرف له الدواء ويشتريه، وساهم في تأزم هذه النقطة بالذات هو ارتفاع مستوى المعيشة لدى الكثيرين حيث باتوا يرون أن هناك ما هو أهم من شراء دواء على اعتبار أنهم يتمكنون من علاج أنفسهم بواسطة الطب البديل”.
وأضافت، “لكن الناس ممكن أن تتمادى في هذا الموضوع فيكون عندها أمراض مستعصية والمرض يتمدد بجسدها، وهي تغفل ذلك، كما ساهمت الشائعات في الترويج لهذه الأعشاب فينشر أحدهم شائعة ويقول كان عندي سرطان وشربت من هذه العشبة فذهب المرض، وذات مرة انتشرت شائعة أنهم في الصين يجمدون الخلايا السرطانية وفعلاً البعض سافر إلى الصين ليتعالج وعندما سألنا أخصائيين صينين يعملون معنا في ألمانيا ضحكوا على هذه السذاجة، والسبب الأخير الذي دفع البعض للانصراف إلى الطب البديل أنه لم يعد لديهم صبر على العلاج حتى بالسرطان يعتقدون أن الكيماوي سحر ويجب أن أشفى منه خلال يومين”.