سورية: إفراط في تدليل الأطفال لتعويض الحرمان

هيومن فويس
بالرغم من أنّ الحالة المادية لأبي عمر (41 عاماً، من أريحا في ريف إدلب) توجب عليه إدارة مصروف منزله بشكل دقيق، إلّا أنّ ذلك لا يثنيه عن شراء شيء جديد كلّ يوم لأطفاله. يقول: “صحيح أنّنا نحرم أنفسنا، لكنّ الأهم هو أن أراهم سعيدين، لا أريد في يوم من الأيام أن يتهموني بالتقصير، أريد لهم طفولة جميلة، أكثر ما يسعدني أنّهم ينتظرون والدهم كلّ يوم حتى يعود إلى المنزل لأنّهم يعرفون أنّه يحمل لهم شيئاً جديداً. أحضر لهم حلوى أو كعكاً أو لعبة جديدة. يشعرني هذا بالسعادة أكثر من تناول وجبة دسمة كلّ يوم”. تقول زوجته فاطمة: “غالباً ما يستبدل زوجي ما أوصيه عليه بما يوصيه عليه الأطفال، لكنّ الأمر لا يزعجني بتاتاً”.
نزح أبو عمر مع زوجته وأطفاله الثلاثة وتنقل بين ثلاث مدن وقرى خلال السنتين الماضيتين. يقول: “نزحنا من غوطة دمشق، إلى ريف حماه ثم إلى ريف إدلب، لقد ذقنا وأطفالنا عذابات لا يعلم بها إلا الله. في الغوطة كنت عاجزاً عن جلب رغيف خبز لهم، وكنت أراهم ينامون جائعين أمام عينيّ. بعدما نزحنا بدأت العمل في صيانة السيارات وتحسن وضعنا المادي. هنا في ريف إدلب لا أماكن لترفيه الأطفال، ولا هم في مأمن من القصف. حتى المدارس بلا فائدة، فهي طوال نصف أيام السنة مغلقة وفي النصف الآخر بلا تدفئة أو كتب. ليس في يدي إلّا أن أقدم لهم الطعام والهدايا، لذلك أكثر منها”.
عادات دلال أخرى تكشف عنها أم عمر: “في استراحة عمله مثلاً يذهب إلى الجزار ويطلب منه شواء اللحم وتحضير ثلاثة سندويشات كباب للأطفال، لأنّهم يحبونها جداً، هو نفسه يحرم نفسه منها، ويطلب مني أن أحضر له أيّ شيء من المنزل، فالأولوية لهم دائماً”. تضيف: “يلحظ أهل زوجي وأهلي هذا وغالباً ما يوجهون إلينا الملاحظات بشكل مباشر أو غير مباشر وهذا يزعجنا في بعض الأحيان”.
أحمد طفل سوري لا يتعدى عمره خمس سنوات، لكنّه يملك سيارة من لونه المفضل “الأزرق” يشير إليها لكلّ من يزوره مؤكداً أنّ والده اشتراها له. تروي صبا وهي والدة الطفل: “يظنه الناس يمزح لكنّها الحقيقة. السيارة هي آخر فصول الدلال المفرط الذي يمنحه زوجي لطفلنا الوحيد. قبل أيام من شرائها صارحني زوجي بأنّه يفكر جلياً بتبديل سيارتنا بأخرى من نوع ثانٍ يحبه أحمد، وكنت أظن أنّ في الأمر مزحة حتى رأيتها أمام باب منزلنا”.
في المقابل، لا يحظى آلاف الأطفال بأدنى اهتمام من أهلهم أو المحيطين بهم، بسبب ضغوط الحياة ومعاناة الحرب، بحسب المتخصصة في التربية منيرة محمود. تعلق: “الطفل هو الطفل في ظروف الحرب أو خارجها، وقواعد تعامل الآباء مع أطفالهم لا ينبغي أن تتغير وفق الظروف المحيطة أو وفقاً للضغوط التي يعيشها الأهل. الأفضل أن يحاولوا عزل أطفالهم عن هذه الضغوط والمخاطر بدلاً من ردود الفعل المؤذية، سواء بالدلال المفرط أو بالإهمال والزجّ بهم في سوق العمل أو التعنيف وجميعها حالات شائعة اليوم للأسف”. وفق ما نقله موقع “العربي الجديد”.
تضيف محمود أنّ “للدلال المفرط عواقب على حياة الأهل ومستقبل الأطفال في آن. من ناحية الطفل المدلل فهو يميل إلى الانزواء والانطواء ولا تكون حياته الاجتماعية جيدة لأنّ المجتمع لا يوفر له ما يوفره له والداه. لن يكون قادراً على تحمل أبسط المسؤوليات، بل تظهر عليه صفات الأنانية، وعدم القدرة على التعلم، والعنف، وربما الكذب والاتكالية. لا أعتقد أنّ أحداً يتمنى لولده هذه الصفات”.