لأني ابنة الغوطة.. 90 يوم في فرع فلسطين

هيومن فويس: تامر تركماني
بعد أن دققوا في بطاقاتنا الشخصية على الحاجز العسكري، وقفوا عند بطاقتي وسألني أحدهم “انتي من زملكا”؟؟ فوتي على الغرفة هنيك” لم أكن أعرف مدى انحطاط تلك الغرفة التي أشار لها بأصابعه النتن، ولكني قرنته خلال ثوان بانحطاط جيشنا، عندما قفزت الى مخيلتي كل فصول الخسة التي كنت أسمعها عن المعتقلات، بهذه الكلمات دخلت سحر في حديثها لـ هيومن فويس عن يوم اعتقالها.
قالت سحر: أدخلوني إلى غرفة الحاجز، وكان هناك عنصران أحدهما لبناني والثاني علوي، سأل الأخير عني عبر هاتف “اللاسلكي” فجاءه الجواب “هي من جماعة الغوطة !! وهنا هز العنصر برأسه وقال:
– انتي من زملكا يا بنت … شايف يا جروج؟؟
– أنا يلي شايف
تقدم جورج نحوي وضربني بيده اليمنى بينما كانت اليسرى تخلع عني حجابي، وتقطع ملابسي، يد يضربني بها، وأخرى تتحسس جسدي، لا أذكر إلا امتزاج أنيني وصراخي، بضحكات عساكر الحاجز العسكري، وتجمهرهم حولي.
اقترب الشبيح اللبناني، بينما اختنقت باقي أنفاسي، أحاول فاشلة الابتعاد عن متناول يديه، أصرخ في أقصى طاقتي، دون فائدة، لا ضمير يسمع، ولا نخوة تحرك مشاعرهم، أنا في زاوية، وأولاد بلدي أمامي في الزاوية المقابلة يتفرجون ويضحكون، وكأني أهرج لهم في مشهد كوميدي ساخر، وما إن انتهوا من الضحك حتى ردوا بالكفر والشتائم والاتهامات.
– عم تاخدي سلاح على الغوطة لتقتلونا والله لما نخلي عندكن.. بشار ربكن وخلقنا لنجيب منكم ولاد بيحبوا الوطن.
كان أقوى من قدراتي الهزيلة، ضربي على رأسي فقدت الوعي لساعات، وعندما صحوت وجدت نفسي في فرع فلسطين، جرني أحدهم الى القبو، واستلمني كائن لا أحسبه من البشر، عديم الإحساس، أشبه بآكلات الحوم.
– هي شو عاملة
– كانت عم تسوق دبابة للمسلحين اغتنمنا الدبابة وجبناها.
لا أدرك ألوان التنكيل والضرب والتعذيب التي تعرضت لها هناك، لكن كل ما أدركه بعد أن انتهت تلك الحفلة كما يسمونها القائمون على الموت، أني كنت أتمنى الضربة القاضية التي ستنقلني من موت المعذب، الى الموت المريح.
مشيت فوق بركة دماء، عندما عبرت ممرا فيه ثلاثة رجال عراة، كان دمهم يغطي أجسامهم، وأذكر بقايا أظافر بدت واضحة على أرض التعذيب، قبل أن أدخل غرفة احتجازي الصغيرة المزدحمة بالنساء وقصص المعناة والموت.
كانت في الغرفة حوالي 50 امرأة، أكبرهم عمرها 50، وأصغرهم 12 عاما، ولما دخلت أجبرت أن أدوس امرأة مرمية على الأرض، دست عليها وكأني أطأ على الجمر، فلا مكان أمشي أو حتى أقف، وفي قمة ذهولي قاطعت شرودي إحداهن تهمس بصوت مرتجف: “هي ماتت الصبح تحت التعذيب ولسا ما صار دور جثتها ليسحبوها”..
اقرأ أيضا: عندما امتزج صوت الحبيبان على يد سجان
معاناة النساء المعتقلات محفورة في ذاكرتي، ووصمة عار على كل إنسان ينادي بالحرية، كان الباب يفتح كل فينة وأخرى، يتناول السجان طريدته، يعذبها ويعتدي عليها ثم يعيدها، لكن الغير الاعتيادي هناك، أن كل سجان من الموجودين كان قد اعتاد على امرأة دون سواها، يعتدي عليها ثم يعيدها، بينما كانت الأخريات مشتركات!!
تسعون يوما، أشد أنواع العذاب والضرب، ألوان الهوان والذل، تلك الفترة كفيلة لتعتبر الزمن الفاصل بين ما قبلها وبعدها، لم أزل أخاف من العتمة، وأهتز لصوت الباب أو النافذة، وأحسب حساب الماء البارد، وأصوات المفاتيح التي ترتعد فرائصي لها.