الزعماء العرب واللحظة الفاصلة!

هيومن فويس: محمد العطار
اللحظة الفاصلة من اكثر الشخصيات العربية شهرة خلال المئة عاما المنصرمة هي الشخصيات الإعلامية والفنية، مع تهميش الكثير من الشخصيات العلمية والفكرية لقد نال هؤلاء شهرتهم من قدرتهم على تشخيص الحالة التي مرت بها الأمة في لحظة ما.
وما حال السياسين المخضرمين خلال نفس المرحلة مختلف عن حال الإعلاميين فالسياسي الناجح هو من استطاع تحليل وفهم وتفسير ما يحاك للأمة من مؤامرات أو ما تساق له من مصائب، وإذا سحبنا هذه الظاهرة على جميع الإختصاصات لرأيناها منطبقة على الجميع.
فجل اهتمامنا وتحقيق نجاحاتنا انطلقت من قدرتنا على فهم وتوصيف حالنا، أو ما اعترانا من مصائب، وهو شيئ جيد وخطوة أولى لا بد من الإنطلاق منها الى حل مشاكل الأمة وتجاوز عثراتها وصولا لتحقيق أهدافها في ترقية حضارتها وإسعاد أفرادها، لكن شيئا من هذا لم يحصل؟
ما أكتبه هنا ليس تهجما على أحد بعينه إنما أقصد تشخيص حالة أيضا، كما شخصها من قبلي، ولكني أرمي من خلالها إلى رمي حجر في البركة الراكدة آملا أن يحدث أثرا إيجابيا، بقدح شرارة في العقول النابغة للإنطلاق باتجاه دراسة الحلول للمشاكل، لا التوقف عند دراسة المشاكل وحسب.
لكن لماذا تجمدت عقول النوابغ من الأمة في حدود تشخيص المرض ولم تتجاوزه لوضع الحلول؟ نحن نطلق هنا في لفظ الأمة متجاوزين فيها الواقع، فكل مقومات الأمة موجودة حقا، لكنها ليست مفعلة، فنتاجها الفكري الإنساني يبقى في الكتب، ونتاجها العملي التطبيقي يستفيد منه الغرب عموما، لا دولنا المشتة الممزقة، ولا حتى دولة المفكر الذي ساهم في إنتاج هذا التطبيق العلمي أو ذاك، هذا إذا لم يحارب الإنتاج ذاته من دولة عربية أخرى أو دول، عدا عن أن دولة عربية واحدة غير قادرة على تبني إنتاج مفكريها ومبدعيها، فالأمة تعيش مرحلة التفسخ، لا مرحلة الإنتعاش، وكلنا نرى هذا، ولا نريد أن نعترف به، فالشعب لا يريد أن يراه آملا إنبعاث الأمة ولم شعثها، والسياسيون والمتنفذون لا يريدون الإعتراف بهذا الواقع لأنهم يعتاشون عليه.
وكل مصائبنا بفعل زعامات الأمة الذين كرسوا القطرية على حساب القومية، علما أن صوتهم القومي كان عاليا جدا لا بل أعلى من أي نداء آخر، لكنه بقي في مجال التصريحات والبيانات والفكر المحصور ضمن الكتب وأرشيف الإذاعات، لقد تاجروا بهذا الصوت مع الشعب دون إسقاطه على الأرض فعليا ليتمثل واقعا، فحافظوا على الأمة أمة على الورق، بينما كانوا في الواقع يكيدون لبعضهم ولأقطارهم المتناثرة والمتنافرة لحساب أعداء الأمة، ليحافظوا على أنفسهم ومواقعهم على قمة الهرم (أي هرم حتى لو كان هرما من البؤس والشؤم ) لتحصيل المكاسب والمنافع على أشلاء الأمة.
فحدود سايكس بيكو كانت أقصى آمالهم في الواقع، بينما تجاوزت اذاعاتهم الفضاء حتى الأندلس، وفلسطين السليبة الجريحة، قضية العرب الأولى جعلوها تجارة بينهم وسلعة للمزاودة، بينما كانوا يتبارون على نيل رضى حكام اسرائيل والصهيونية العالمية والعشيرة أو الطائفة لولب الأمة ومحور حركتها بالنسبة لهم.
وعندما يخطب أحدهم يوجه خطابه للأمة، والمقصود بالأمة هنا عشيرته أو طائفته أو بطانته وخاصته وقد لا تتعدى المئات أو الآلاف ولكن الخطاب باسم الأمة، والكل يصفق، وهتافات إذاعاتهم تصل مصر بتطوان واليمن بعمان ودمشق بمكة والرباط، وحقيقتهم لا تتجاوز حدود قراهم ومدنهم جعلونا نعيش الأوهام.
نعيش خيالات ليس لها علاقة بالواقع، لقد كانوا كذابين، وطالبونا بتصديق الكذب، وصدقنا، وهذا وأشياء أخرى ساهمت في تجميد الفكر وتحجره، والعودة بة إلى التاريخ عوضا عن أن يكون همه البحث في المستقبل.
نعم هذا واقعنا الذي عشناه وما زلنا، ولكن بعد فهم هذا الواقع ومعايشته هل نبقى فية ? أليس من واجب الأيتام أن يفكروا في مستقبلهم بعد وعيهم ليتمهم، ولتهميش المجتمع لهم، أليس من حق الأمة على ابنائها المبدعين والمفكرين والناشطين أن يجهدوا أنفسهم في البحث عن حلولا تخرج الأمة من هذه الدائرة المغلقة؟ ألم نصل إلى اللحظة الفاصلة؟
تنويه: المقالات تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي هيومن فويس