سوريا..ساحة صراع إيراني سعودي

هيومن فويس
سبع سنوات عجاف مرت على الشعب السوري، تحولت فيها ثورته لإسقاط نظام بشار الأسد إلى صراع مسلح، تطور إلى حروب اختلط فيها المحلي بالإقليمي والدولي، منها صراع سعودي إيراني تعيش المنطقة هذه الأيام على وقع تصاعده بشكل غير مسبوق.
ومنذ بواكير الثورة، وصولا لتسلحها ردا على آلة القتل التي استخدمها النظام منذ اليوم الأول، انحازت طهران للنظام الذي يعتبر أحد أهم أركان تحالفها (المقاومة والممانعة)، بالمقابل انحازت الرياض للطرف الآخر، ودعمت كل خطط إسقاط النظام.
وعلى أعتاب العام السابع للثورة، تبدو كفة الصراع تميل لصالح طهران، التي نجحت بعد المشاركة الفعالة لروسيا، واشتراك الميلشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية في القتال هناك بترجيح كفة النظام، بينما يعيش الموقف السعودي حالة يصفها مراقبون بـ”عدم التوازن”، نظرا للتغيرات التي شهدها مؤخرا. وفق ما نقلته شبكة “الجزيرة نت”.
وكانت السعودية قد تصدرت الدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة منذ تحول الثورة لصراع مسلح، وشكلت غرفة عمليات بالاشتراك مع الأردن والولايات المتحدة “غرفة الموك”، وكان مندوب الرياض فيها الأمير بندر بن سلطان مقيما شبه دائم في عمان لتنسيق إيصال شحنات السلاح للمعارضة في الجنوب السوري.
سقوط النظام
ونجح فصيل جيش الإسلام المدعوم من الرياض في تحقيق اختراق مهم في الحزام الأمني حول العاصمة دمشق، وكاد يصل مع فصائل أخرى لمطار دمشق الدولي، كما نجحت الفصائل المدعومة منها وبالتنسيق مع دول أخرى أبرزها تركيا وقطر في تحقيق انتصارات مهمة في الجنوب والشمال السوري، مع تراجع كبير للنظام الذي وصلت التقديرات في عام 2013 لتوقع سقوطه خلال أشهر قليلة.
ولم يغير الدخول الإيراني المباشر -عبر جيشه والميلشيات المدعومة منه- كثيرا في مجريات ساحة المعركة التي ظلت تميل لصالح المعارضة، إلى أن جاء التدخل الروسي الذي رجح كفة النظام السوري وداعميه على الأرض.
غير أن التغير الأهم في المعادلة كان في موقف الطرفين الإيراني والسعودي من الدعم وتعزيز قدراتهما في معادلة الصراع الذي لا زال مستمرا في سوريا.
فظهرأن إيران التي استفادت من التدخل الروسي بشكل كبير، عملت على بناء ما تصفه بـ”سوريا المفيدة”، التي تضمن لها طريقا مفتوحا من طهران لبيروت يمر بالعراق وسوريا، وبالتالي تعزيز سيطرة النظام على المناطق السورية كافة، وبالأخص الحزام حول العاصمة، ومدن الساحل، ومحافظة حمص، عوضا عن عزل محافظات تشكل ثقلا للمعارضة وأهمها حلب.
سوريا المفيدة
كما عملت إيران على إحداث تغييرات ديموغرافية هامة في تركيبة السكان في مناطق إستراتيجية، أهما الحزام حول العاصمة وحمص والمناطق التي تربط العاصمة بالحدود اللبنانية والساحل السوري، حيث تعرضت هذه المناطق لموجات تهجير كبيرة لسكانها، فيما نقلت سكانا جددا، خاصة في حزام دمشق من السوريين الشيعة والعلويين، إضافة لعراقيين وإيرانيين ولبنانيين، للعيش في المناطق التي توصف بـ”المقدسة” عند الشيعة، لكنها مناطق تبدو مقدسة بالمعنى الإستراتيجي أكثر من المعنى الديني.
ولم تنتظر طهران الحل السياسي الذي قد يؤدي لخلافات بينها وبين حليفها الروسي، فعملت على إنشاء ميليشيات سورية، وبناء مراكز لمليشيات أخرى في مناطق عدة، قريبا من الحدود مع الجولان المحتل، وحول دمشق، وفي مناطق أخرى، ضمن ما يقرأه خبراء ومحللون على أنه “جيوب” لتفجير أي حل سياسي لا يحقق لإيران إستراتيجيتها التي قاتلت من أجلها في سوريا.
بالمقابل تراجع نفوذ الفصائل المدعومة من السعودية ودول أخرى، وتوقف الدعم المقدم للفصائل المسلحة في الجنوب، وأُغلقت غرفة الموك، وانتهى دور الأمير بندر تماما. ومثّل مشهد خروج المعارضة من حلب صورة واضحة لتغير خريطة السيطرة في سوريا.
لكن التغير الأهم في الموقف السعودي لم يكن الميداني فحسب، بل في الموقف السياسي، فالرياض أعادت مقاربة طرحها للحل في سوريا بحيث تقبل ببشار الأسد رئيسا لفترة انتقالية.
فقد كشفت مصادر مقربة من المعارضة السورية أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير طلب من الائتلاف السوري المعارض خلال اجتماعاته في الرياض الشهر الماضي إعداد مقاربة سياسية جديدة تقبل بالأسد رئيسا لفترة انتقالية مؤقتة.
بقاء الأسد
وبالرغم من نفي الرياض، والائتلاف لهذه الأنباء، إلا أن مصادر أكدته، واعتبرت أنه ثمرة التقارب السعودي الروسي الذي دخل في تفاصيل المشهد السوري المعقد، لدرجة أن هناك من تحدث عن أن الرياض أكدت أنها ستقنع المعارضة بالقبول بالأسد لفترة ستة أشهر، فيما تحدث الروس عن 18 شهرا، وهما فترتان يؤكد العديد من المراقبين أنهما لن تقنعا الإيرانيين.
المقاربة السعودية التي تعاني اليوم حالة من عدم التوازن، تنتقل لخيارات لم تتضح بعد ظهور وزير شؤون الخليج العربي السعودي ثامر السبهان مؤخرا في محافظة الرقة بحماية قوات سوريا الديمقراطية التي حررت المدينة من تنظيم الدولة، في مشهد ربما يرسل رسائل لجهات عدة، منها حليفتها تركيا التي تناصب العداء لهذه القوات التي تشكل المليشيات الكردية عمودها الفقري.
كما ترسل رسائل إلى إيران التي وافقت حليفها النظام السوري في اعتباره الرقة “محتلة” إلى أن يدخلها الجيش السوري.
ومؤخرا ظهر قائد فيلق القدس قاسم سليماني في دير الزور، مع تصاعد التصريحات الإيرانية ضد القوات التي ظهر معها السبهان، وهو ما يشي بأن مشهد التقاط الصور ربما يتحول لجولة جديدة من الصراع الإيراني السعودي بأدوات جديدة.