كيف هزَّم بوتين الولايات المتحدة في سوريا؟

هيومن فويس: رولا عيسى
يعتبر الأسد مسؤولاً إلى حد كبير عن إحدى أسوأ المآسي الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، إلا إن التدخل العسكري الروسي لصالحه قبل عامين أنقذه من السقوط وحمى نظامه من الانهيار الذي كان شبه وشيك، حتى انقلبت الأحداث في سوريا، فصار الأسد في مواقف قوية له منذ الثورة السورية في عام 2011، وكل ذلك يعود لفضل التدخل المباشر من قبل الروس لحمايته.
مركز واشنطن للدراسات، يرى في تقرير مفصل له، بأن إيران وعمليها “حزب الله” اللبناني، قد قدما خلال السنوات الست الماضية الكثير من الدعم المباشر للنظام السوري، وفي أواخر ربيع عام ٢٠١٣، تلقّى الأسد دعماً كبيراً من «حزب الله» حال دون سقوطه. ولكن في أيلول/سبتمبر ٢٠١٥ كانت القوة الجوية الروسية هي من أنقذ الأسد من فقدان سيطرته.
وتجدر الإشارة إلى أن بوتين قد وقف إلى جانب الأسد منذ البداية وقدّم له الحماية بطرق متعددة. فقد قام بتسليحه، وعمل على حمايته في مجلس الأمن الدولي، وحرص على استمرارية الجيش والاقتصاد السوري. لكن، تدخّله في سوريا كان نقطة تحوّل تدل على التصعيد الروسي في سوريا.
بوتين حقق مشاريعه في سوريا
بشكل عام، حقق الرئيس بوتين اليوم كل ما يريده في سوريا. فقد أبقى الأسد في السلطة. ورسّخ الوجود العسكري الروسي في سوريا على الأقل على مدى الـ ٤٩ عاماً المقبلة، وهو أكبر وجود عسكري روسي خارج الاتحاد السوفياتي السابق حتى اليوم.
وبذلك، حدّ بوتين من قدرة أمريكا على المناورة العسكرية في المنطقة، وضمن نفوذ روسيا في أحد أكثر البلدان أهمية من الناحية الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وفق ما قاله معهد واشنطن للدراسات.
وقد أدّى دعم الرئيس بوتين لحملة التطهير العرقي التي قام بها الأسد إلى تفاقم تدفقات اللاجئين الهائلة والمُزعزِعة للاستقرار في أوروبا.
وطالما بقي الأسد أو أي شخص مثله في السلطة، فإن غالبية اللاجئين لن يعودوا إلى ديارهم. وفي هذا الصدد، أصبح خصوم الأسد التقليديين، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتقبّلون وجهة نظر موسكو حول الأسد، وحتى المملكة العربية السعودية قد تُغيّر موقفها لصالح موسكو.
بوتين يفاوض الغرب وفق شروطه
والأهم من ذلك بالنسبة لبوتين أن بإمكانه الآن التعاون مع الغرب وفق شروطه الخاصة. فقد أوجد لروسيا صورة الوسيط للقوة العظمى. وحصل على إقرار دولي بشأن مبادرته الأخيرة لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا والتي أدت إلى إنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد.
وذلك بعد اجتماع بوتين مع ترامب في تموز/يوليو من هذا العام. وفي هذا الإطار، تعمل روسيا وإيران وتركيا بمثابة ضامن لوقف إطلاق النار. ولطالما قاوم بوتين المناطق الآمنة المحمية من الغرب في سوريا، بيد أن وقف إطلاق النار بقيادة روسيا سيسمح له بالحفاظ على مصالحه في البلاد.
لدى مناطق وقف التصعيد إطار حماية أضعف من المناطق التي تدعمها الغرب. إذ نشرت موسكو قواتها العسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار ولكن من غير الواضح كيف سيتم تنفيذ هذا الترتيب.
كما أن الاتفاقية بالكاد تعترف بالدور الإيراني في سوريا. وفي الوقت ذاته، يتعيّن على حليفين أمريكيين رئيسيين في المنطقة، هما إسرائيل والأردن، التعامل مع روسيا حول قضايا أساسية تخصّ الأمن القومي الأمريكي.
وكون روسيا شريكة، سيتوجّب على الولايات المتحدة تقاسم العبء المعنوي التي تسبّبه الضربات الجوية الروسية التي قد تؤدّي إلى مقتل المدنيين.
وبعيداً عن إقحام نفسه في ورطة يتعذّر له الخروج منها في سوريا والتي كان قد توقّعها الرئيس أوباما في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٥، تمكّن بوتين من القيام بحملة رخيصة نسبياً، وهو الآن في طريقه إلى إخراج نفسه من الصراع مع ضمان وجود روسيا ونفوذها في الوقت نفسه.
وفي الإطار ذاته، عزّز صادرات الأسلحة الروسية باستخدام سوريا كساحة تجارب للأسلحة الروسية. والآن، بعد أن استقر الوضع في بعض المناطق الرئيسية في البلاد، تتطلّع شركات الطاقة الروسية إلى إعادة بناء البنية الأساسية للطاقة في سوريا.
تعاون روسي إيراني مستقر
وبينما تشارف الحرب على الانتهاء، لا يُظهر تعاون روسيا مع إيران أي علامة على التراجع.
ومن المرجّح أن يكون نذير تعاون استراتيجي أوسع مع انعكاسات أكبر على السياسة الأمريكية في المنطقة. وتتجاوز المصلحة المشتركة بين موسكو وطهران في معارضة الغرب كل خلافاتهما.